المؤلف : سينيكا

تعد مسرحية الطرواديات لسينيكا نموذجا مجسدا لمساوئ الحروب في كل زمان ومكان، تلك الحروب التي تستمر لأعوام طويلة، فيضيع معها الهدف الحقيقي من وراء إشعال نار فتيلها، ولا يبقى منها سوى الخراب والدمار ، وعواقب غرور الانتصار. هذا ما صوره سينيكا (4 ق.م / 1م _ 65م ) الفيلسوف الروماني الرواقي في القرن الأول الميلادي من خلال أسطورة حرب طروادة، تلك الحرب التي استمرت عشر سنوات، حوصرت فيها مدينة طروادة حتى سقطت في أيدي الإغريق. أوضح سينيكا أن الحرب لا تسفر عن منتصر ومهزوم، لأنه أظهر من خلال مسرحيته معاناة الجانب المنتصر، حيث ألحق بهم الهزيمة وهم لايزالون على أرض طروادة، معبرا من خلال القادة الإغريق وهيلينا عن خوفهم من المستقبل، وهو ما يمثل الهزيمة المعنوية، في حين أن الجانب المهزوم والذي ألحقت به هزيمة مادية أظهره سينيكا منتصرا معنويا، ويتضح ذلك في إقدام الطفل أستيانكس والفتاة بوليكسينا على الموت في شجاعة وروح عالية. حدد سينيكا مفهوم الهزيمة بأنها مأساة الأسرة الحاكمة وحدها، وهذا يتضح في الأنشودة الجنائزية، فالعامة من الطرواديات يبكين الحاكم أكثر مما يبكين الوطن، ولم يعبر سينيكا عن حقيقة معاناتهن لحياة الأسر والعبودية، وهذا يعكس تأثره بالحياة الأرستقراطية ومعايشته المباشرة للأسرة الإمبراطورية الحاكمة. أوضحت الدراسة أهمية الرمز في العمل الأدبي، فقد استطاع سينيكا أن يجعل من الرمز وحدة لبناء عمله التراجيدي، محققا من خلاله تماسك ذلك العمل، فالترتيب الذي اتبعه في الأنشودة الجنائزية أشار بطريقة غير مباشرة إلى حادثتي المسرحية الرئيستين وهما مقتل أستيانكس والتضحية ببوليكسينا على التوالي، من دون أن يعلن عن ذلك صراحة، كما أن استخداماته اللفظية أشارت إلى ذلك أيضا. كما صور السبب الأسطوري لحرب طروادة رمزا، وذلك بدخول هيلينا على النساء الطرواديات من الأسرة الحاكمة معلنة زواجا مزيفا مشؤوما، وهو في الحقيقة يرمز إلى زواجها هي من باريس وهو السبب في هذه الحرب. وكم من حروب قامت لمصالح وأطماع دنيوية تتوارى وراء أسباب واهية، تدفع الشعوب الثمن الباهظ بسببها من دماء وأرواح شبابها.