كتب نيكولاي إردمان مسرحية «المنتحر» في العام 1928، ولم تنشر أو تعرض في حياته، حيث انتقدها ستالين، ولم تعجبه.
تبدو المسرحية للوهلة الأولى، ومنذ بداية المشهد الأول مغرقة في العبث، بينما يبدو التصاعد الدرامي هيستيريا غير مبرر، لكن البداية الحقيقية والعميقة للمسرحية في لقاء بطل المسرحية بودسيكالنيكوف مع ممثل النخبة الروسية أريستارخ دومينيكوفيتش، الذي يدهشه عجز بودسيكالنيكوف عن إيجاد سبب للانتحار:
«هذا أمر غير جائز عزيزي المواطن بودسيكالنيكوف، لا بد من توجيه الذنب واللوم بل وأصابع الاتهام أيضا.. تودون الانتحار حسنا، هذا جميل.. رائع انتحروا على الرحب والسعة لكن عليكم الانتحار كشخصية عامة... ها هي الورقة ولتكتبوا رسالتكم التي تعبر عن اقتناعكم بكل صراحة ووضوح عليكم باتهام الجميع في انتحاركم».
وهنا تظهر قيمة «حياة» بودسيكالنيكوف التي أحسّ بها للمرة الأولى من خلال «الموت» لتبدأ رحلته في البحث عن قيمته داخل المجتمع المستعد لقمع وسحق الإنسان الفرد تحت عجلات إنجازاته وقضاياه العظيمة.
لا عجب إذن في انتقاد ورفض ستالين لعرض أو نشر هذه المسرحية، التي تتحدث عن الإنسان الفرد، في زمن الحروب والقضايا الكبرى، ما بين الثورة البلشفية 1917 والحرب العالمية الثانية، حيث لا مكان لحياة الإنسان وسط ضخامة الأحداث.
لكن إردمان، مع ذلك، يؤكد القيمة العظيمة لحياة الإنسان، أي إنسان وكل إنسان.
يقول إردمان على لسان بطلة بودسيكالنيكوف:
«إني جائع، أريد طعاما، لكن قبل الأكل.. أريد أن أعيش، لا أريد أن أموت، لا من أجلنا، أو من أجلكم، أو من أجلهم، لا من أجل الصراع الطبقي، ولا حتى من أجل الإنسانية».
« المنتحر» مسرحية إنسانية فى زمن نفتقد فيه الإنسانية وسط الحروب والصراعات والمجاعات والتهجير القسري.