أمضي بصدور هذا الكتاب خطوة أخرى في الطريق الذي سرت فيه منذ صدور كتابي «ألفاظ اللهجة الكويتية في كتاب لسان العرب لابن منظور» ، وقد وجدت أن في كتب اللغة القديمة الكثير مما يؤكد ما ذكرته في ذلك الكتاب عن الأصول العربية للهجة الكويتية ، وما يضيف عليه . وغني عن البيان القول إن الاهتمام بمثل هذا الموضوع يفيد فائدتين مهمتين : أولاهما التأكيد على الأصول العربية الفصيحة لكثير جدا من ألفاظ اللهجة الكويتية ، وتقييدها تقیید، يحافظ عليها بعد أن شهدت في أيامنا هذه الكثير من التغيير ، وبعد أن نُسيت وأهملت ألفاظ كثير منها أصولها فصيحة كان من الخسارة بمكان التفريط بها ، وإبدالها بكلمات أجنبية بعيدة عن لغتنا الأم التي ينبغي أن نحرص على حفظها . وأما الفائدة الثانية فهي التدليل على أن ألفاظ الفصحى التي يعتقد البعض أنها قاموسية وغير قابلة للاستعمال في الوقت الحاضر إنما هي ألفاظ مستعملة الآن أو إلى وقت قريب في لهجتنا ، وليست ألفاظا ميتة كما يظن كثيرون.

ومن هنا يأتي الاهتمام بهذا الموضوع ، فتأتي هذه الخطوة إكمالا لما سبقها ، وذلك ببيان ألفاظ اللهجة الكويتية في كتاب «إصلاح المنطق» ليعقوب بن السكيت ، وهو عالم لغوي كبير من علماء القرن الثالث الهجري ، وكتابه من الكتب المهمة في بابه ، وقد أثنى عليه الكثيرون واهتموا بدراستة والكتابة حوله ، ومن هؤلاء أبو البقاء العكبري الذي ألف كتابا أعاد فيه ترتیب الإصلاح فوضعه على حروف المعجم تسهيلا لطالبي العلم ، وتقريبا لكتاب ابن السكيت . وعندما يصدر كتابنا هذا نكون قد قدمنا ألفاظ اللهجة في كتابين ؛ أحدهما قديم هو كتاب «إصلاح المنطق» موضوع هذا العمل ، والثاني يأتي بعده بقرون هو کتاب «لسان العرب» الذي توفي مؤلفه في سنة 711 الهجرية. وقد وجدنا تماثلا شديداً في الألفاظ الكويتية المذكورة في الكتابين ، الأمر الذي يدل على ثبات اللهجة من جهة وارتباطها الشديد بماضيها الفصيح من جهة أخرى.