إن من يراجع كثيرا من الكتب المؤلفة في البلاغة يجدها بعيدة عن البلاغة، خالية مما ينمي الذوق الأدبي، لأنها حوت كثيرا من الجدل اللفظي والسفسطة الكلامية، وأبعدت عن بيان ما في المنظوم والمنثور من جمال وروعة، وتوجيه القارئ إلى ما فيهما من أسرار البلاغة، ولو جرى المؤلفون في البلاغة على نهج الجاحظ وقدامة وابن المعتز والجرجاني وأبي هلال العسكري وابن رشيق وغيرهم لكان لكتب البلاغة في خدمة الأدب أثر خير من هذا الأثر. وقد فطن بعض الفضلاء من رجال التعليم في هذا العصر إلى النهج السيئ الذي نهجه بعض المتأخرين في علوم البلاغة، فجعل الناس يعرضون عن قراءتها ويتهيبون مدارستها، فأخرجوا للناس كتبًا مَرَوا فيها أخلاف البلاغة، فدر درها وساغ تناولها، وأصحبت بعد أن استصعبت، وآتت أطيب الثمرات. وقد سرنا على ضوئهم ونسجنا على منوالهم في القصد إلى صميم الأدب، وعرض صنوف جميلة وفنون رائقة من المنظوم والمنثور في شتى أبواب البيان والبديع، لعلها أن تفتق من ذهن الطالب وتقوم من لسانه وترقى من ذوقه. وقد حدا بنا إلى هذا تغير المنهج واحتياج الطالب إلى كتاب في التطبيق يجمع شتاته ويلم بأبوابه، حتى يتيسر له فهمه على الوجه الأكمل، ويجتاز الامتحان بسلام. وقد ضبطنا من كلماته وشرحنا من مفرداته ما يذلل كل صعب يعترضه عند قراءته، وترجمنا تراجم موجزة لأكثر الأعلام التي وردت في الكتاب، وحرصا على التيسير للطالب قد أثبتنا في آخر الكتاب الإجابة عن التمرينات حتى يجد المفتاح بين يديه إذا استغلق عليه باب، ويهتدي إلى الطريق إذا ضل الصواب. ولسنا نقصد بهذا العمل إلا وجه الله، والقيام ببعض ما يجب علينا فيما تهيأنا له من خدمة اللغة والأدب، ولسنا في عصمة من زلل أو بمنجاة من خطأ، فإن العصمة لله وحده ﴿وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب﴾.