سلة التسوق الخاصة بك فارغة الآن.
ما زال الإنسان معتقداً برجاحة عقله، وعلو فكره، متخذاً من استنتاجاته حقائق مطلقة؛ ذلك العقل الذي مجمل مدخلاته آنية الطبع، وإذ بذلك الإنسان يُصدم لاحقاً من نتائج تلك الطلاقة الحكمية التي وصم بها استنتاجاته. فلو تفكرنا للحظة بمفهوم الزمن الذي ندعي فهمه وهضمه، لوجدناه مُربكاً مستعصٍ على الإستساغة، ولأدركنا عندها القصور المستوطن عقولنا المبتورة الفهم، العاجزة عن إدراك الكمال حتى تكون أحكامه مطلقة في مآلاتها. ولأدركنا أيضاً بأن تلك المآلات منقوصة في مبناها، وأنها أصبحت نهجاً عقلياً يسير بنا نحو الفوضى. وليعلم الجميع بأن المنطق الحاكم لتفكيرنا منطقٌ نسبيٌ، فما انبثق منه، إنما هو امتداد طبيعي له، يعتريه ما اعترى ذلك المنطق من نعوت.
ومنطقنا البشري الخالص مبنيٌ على حقائق آنية لا تكاد تستوي على سوقها حتى تتهاوى أو تُعدَّل كلما جدَّ جديد. ولو تفكرنا ثانيةً، لأيقنا بأن التفكير منوطٌ بمراجِعه التي استقى منها انطباعاته وأفكاره، ومن ثم بنى فهمه وغاياته المنطقية عليها، فإن استقام المرجع استقامت النتائج والمآلات، وإن لم يكن المرجع مُطلق الإستقامة ابتداءاً وانتهاءاً وموضوعياً، استحالت نتائج ومآلات ذلك المنطق إلى مخرجات يتعاظم اعوجاحها كلما طال استخدامها والبناء بشكل تراكمي عليها لتتحول إلى فوضى لا محالة من أنها باتجاه الفناء سائرة. هذا ما أردنا تبيانه في كتابنا هذا. نرجو من الله أن نكون قد وفقنا ولم نتعدى حدود عقلنا.