سلة التسوق الخاصة بك فارغة الآن.
لقد عاشت البلاد العربية في ظل الحكم الإسلامي لعقود طويلة من الزمان، وظل أهلها مُنذ فتحها يحتكمون إلى الشريعة المتمثلة في القرآن والسُّنة والأحكام التي استمدت منهما باستعمال أصول الفقه وضوابطه وقواعده الكلية التي وضعها الفقهاء المسلمون، مستلهمين الحلول من سوابقهم وسوابق أسلافهم والأشباه والنظائر إذا لم يجدوا في كتاب الله وسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم بُغيتهم، وقد اجتهدوا في ذلك أيما اجتهاد، وصنفوا في أصول التقاضي والأحكام والدعاوى ما عجزت سائر الأمم السابقة عن الإتيان بمثله، بل سبقوا إلى تأصيل النظريات التي يُفاخر القانونيون المعاصرون بتأصيلها وذِكْرها في كتبهم، وبلغ بهم الشأن العظيم أن كانوا مرجعًا للأوروبيين في المسائل الحقوقية والمعضلات القانونية يفزعون إليه كلما دعتهم الحاجة ليجدوا لدى المسلمين كلمة الفصل فيما يهمهم ويشغل بالهم.
وفي الجملة كانت الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس والأوحد للأحكام لأكثر من ألف وثلاثمائة عام حتى نهاية القرن الماضي حين تزايد النفوذ الأجنبي الذي استهدف إقصاء الشريعة وتغيير البنية الاجتماعية للأُمة، حيث أُنشئت المحاكم المختلطة، وأُلغيت المحاكم الشرعية، واستمدت القوانين من مصدر أجنبي غير شرعي لا يتصل بانتماء البلاد الإسلامي ولا بخصائصها الثقافية والاجتماعية التي حددت ذاتية البلاد وهويتها الإسلامية.
يبحث هذا الكتاب مسألة تقنين الشريعة والتحديث في نهاية الخلافة العثمانية وكيف انتقلت الحالة القانونية للبلاد العربية خصوصًا مصر من حاكمية الشريعة إلى حاكمية القوانين والمحاولات التي جرت لتقنين الشريعة وإعادة إحيائها خلال القرن العشرين.