تعدُّ الأختام الحدِّيثيَّة فنًّا من فُنون الحديث ولونا ظَريفًا من ألوان التَّأليف فيه، يَكاد يتميّز به المحدّثون على الخصوص، وهو أحدُ عُلوم الدِّراية الخاصَّة بالبحث في الحديث من حيث دلالته على المعنى المفهوم أو المراد منه. فموضُوعه هو فقه الحديث باستخراج ما فيه من أحكام وحكمٍ وآداب، وهو الغاية العمليّة الَّتي تَتظافر كلّ العلوم الحدِّيثيَّة على تَحقيقها.
وقد تفنَّن علماء الزَّيتونة وأهل الحَدِيث بتُونس في التَّأليف في هذا المجال تفنُّنًا ظَاهرًا، كانت لهم في كثير من أوضاعهم فرادة وريادة وضربُوا بحظٍّ وافرٍ في الجوانب المتعلّقة بفقه الحديث، وممَّن كانت له العناية البارزة بالأختام الحدِّيثيَّة مُفتِي الدِّيار التُّونسيَّة سابقًا وشيخ فقهاء المالكيَّة بها المحدِّث الهمام مُحمَّد بن عثمان النَّجَّار (ت1331هـ)، والَّذي صنف كتابًا سمَّاه "خَتمٌ حَدِيثيٌّ عَلَى صَحِيحِ البُخَارِي تَحرِيرٌ عَلَى بَابِ كِتابة العِلمِ مِنْ صَحِيحِ البُخَارِي" نُقدمه للقارئ في هذه السلسة العلمية من الأختام الحديثية، بعد أن أقبلَ الدكتور المحقِّقُ علي العلايمي على التَّحرير المذكورِ مُحقِّقا للَفْظه، ضَابطًا لنَصِّه، مُوثِّقا لمتْنه، مُعلِّقا على مَسائِله، مُقدِّما بين يديه لِعملِه بدراسةٍ جَليلةِ القدرِ عن تَاريخِ نشأةِ التَّأليفِ في الختَمات، ذاكراً أشْهرَ المعتنين بذلك مَشرقا ومَغربا، مُنوِّها بجُهود التُّونسيِّين في ذلك، مُتخَلِّصا بعدُ إلى الكلامِ على منْهج الشَّيخ النَّجَّار رحمه الله فيما قد جرَى به قلمُه من ذلكُم التَّحرير الرَّائق المُنيف.