هذه الرواية قطعة حيّة من عالم أصبح بعيداً عنا، ولكن آثاره يمكن أن نجدها حتى اليوم في بقاع مختلفة من عالمنا الواسع. سواء تعاطفنا مع صاحبيها أو وجّهنا لهما الانتقاد ضمن رؤية الروائي نفسه، فالحلّ لا يكمن في هذا وذاك، بقدر ما يكمن في الواقعية التصويرية والمثالية المدركة منها. بقي أن نذكر أن الرواية تشترك في مناخها وطبيعة توصيفاتها مع العديد من روايات البيكاريسك الصعلوكية الإسبانية أو الأوربية الأخرى، المتميزة بصبغتها الواقعية والوصفية الحية واللغة الديناميكية المشوقة.
***********
مؤلفات ثربانتس هي من الكتب الأكثر قراءةً وطباعةً وترجمةً ودراسةً في العالم. بل إن ثربانتس بالنسبة للنقاد وقِطاع واسع من القراء، يُعدّ الكاتب الإنساني الأول والروائي الأعظم في تاريخ الأدب، فكتاباته لا تزال لصيقة بأحلامنا وطموحاتنا، بل وحتى بخساراتنا المتكررة. أعمال ثربانتس أسفار حقيقية لا تنتهي بصدورها، بل ببقائها فاعلة وحيّة حتى لو مرت عليها أزمنة طويلة وتغيرت طبائع البشر وأزمنتهم.
هذه الرواية هي ضمن مشروع خاص برواياته القصيرة (النوڤيلّات) والتي يبلغ عددها اثنتي عشرة رواية، والتي نقدمها تباعاً وفي كتب مستقلة الواحدة بعد الأخرى، كتبها ثربانتس بفترات متباعدة ونشرها عام 1613. نُترجمها ونُعرّف بها القارئ العربي كعيّنة مهمة من أعمال صاحب الرائعة العالمية (الدون كيخوته)، وهي روايات لا تقلّ روعةً عن قيمة عمله الأكبر.