الحمد للـه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد آخر من أتى برسالة عامة، وأول من حض الناس في اتباع دينه على النظر في هذا العالم، ثقة منه بأن العقل البشري السليم إذا ما نظر وتأمل لا بد أن يصل من نفسه إلى الاقتناع به.
            بذلك ضمن للفكر حريته في مجال النظر، وإن قيد هذه الحرية بعد اقتناعه بالمبدأ الرئيسي وهو مبدأ التوحيد بما جاء به من مبادئ الإرشاد العامة، حتى لا يكون الشطط في استخدام تلك الحرية وسيلة لتحكيم رغبات التفس وميولها -وهي أمارة بالسوء- في تصرفات الإنسان، فيخرج إلى غير الهدى والفرقان.
            وقد سرني مما كلفت به من دراسة منهاج هذا العام أني وجدت الفرصة ستهيئ لي بمشيئة الله تعالى جوا علميا نستطيع أن نقف فيه إلى حد ما على مقدار الصلة بين ذلك الإسلام المحكم في مبادئه، الواضح في توجيهه الإنسان إلى ما حدده له من مصير، وما وضعه أمامه من غاية، وبين الفلسفة الإسلامية التي انتهى أمرها إلى الغموض، وإلى التقلب في تقديم المشورة للإنسان، مرة تنصحه بأن يكون سلبيا محضا في حياته، ينكر نفسه ووجوده، ومرة توحي إليه بالتشاؤم، وتضع في قلبه اليأس من النجاة من شرور هذا العالم، وبذلك اختطت خطة في الإرشاد والتوجيه تغاير هذا المبدأ الإيجابي الرصين: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.
            ولا يفوتني التنبيه إلى أن ما في هذا المختصر من بحوث لم يلبس بعد ثوبه الأخير، بل في العزم عودة إليه إن شاء الله، أسأله التوفيق والسداد.