سلة التسوق الخاصة بك فارغة الآن.
ها قد أضأت الشمعة الثانية لهذه الليلة منذ أن اندسّت كلارا في فراشها بعد أن أيقظها قيس للمرة الثالثة طلباً لثديها، وأنا استجمع الذكريات وأربطها بما يجعلها مناسبةً لتكتب على ورقةٍ داعبت خيال فتيل الشمعة المتقد المتراقص عليها.
أخيراً بعد تفكيرٍ طويل غمست الريشة في الدواة وكتبت:
ميلانو شتاء عام 1110، اُدعى ماركو يوليانو دي كوستا قائد طليعة فرسان الرب الميلانية، والدي ماكسيمليانو كوستانتينو دي كوستا التاجر الجنوي ذي الساق الواحدة. لم يلقب أبي بهذا الاسم لامتلاكه ساقاً واحدة بالمعنى الصريح، يعود ذلك لمعركةٍ اشترك بها عندما كان يُقفل عائداً من القسطنطينية بعد تجارةٍ ناجحة، عندما انبثقت من الظلام، كما حدثني، سفينةٌ ذات صارٍ عظيم تعود للمرتزقة الشماليين الذين كان يستأجرهم عرب الأندلس منافسينا في تجارة المتوسط لإغراق سفن الجنويين. يقول أبي أنه وبلمح البصر أصابه سهمٌ رماه شيطانٌ من سفينة القراصنة طرحه أرضاً، وفي غضون لحظات ملأ القراصنة السفينة وشرعوا يذبحون البحارة بهمجيّة، فما كان منه إلا أن تحامل على ألمه وقفز كالمجنون يصرخ في الرجال بكلمةٍ واحدة "اقتلوهم"، وهو في حالته تلك لا يذكر كيف كانت يداه تعصران عنق أحد القراصنة حتى كادت عيناه تخرجان من محجريهما ثم أخذ سيفه وقاتل بشجاعةٍ وهو عاجزٌ عن الحراك فحمس البحارة على المقاومة وكان لهم النصر. بعدها بسنوات سافر أبي مع أمي رفقة أختي الكبرى جوزابينا نحو ميلانو ولم يكن قد زارها مسبقاً، التاجر الجنوي سافر إلى أهم مدن المتوسط ولم يزر ميلانو أهم مدن إيطاليا إلا بعد سنواتٍ طوال، المدينة التي سحرته منذ دخولها فقرر في نفس الليلة أن يستقر بها.
عاش أبي سعيداً في المدينة اللومبرديّة إلى أن حوّلتُ حياته إلى جحيمٍ، ظلّ يذكرني به كلما التقينا حتى وفاته العام الماضي.