إن كتاب الله تعالى اشتمل على هداياتٍ جامعة، وأحكام سامية، وآداب رفيعة، وأخلاق فاضلة، وعظات بليغة، وأخبار صادقة، وقصص عجيبة، وتوجيهاتٍ نافعة، وأساليبَ بليغة، وألفاظٍ فصيحة، ووجوه متعددة لا تجتمع في كتاب إلا في هذا الكتاب المجيد، ولا يُعلم كتاب قد استحوذ على قلوب المحبين، وَهَوَتْ إليه أفئدةُ الموفَّقين مثل هذا الكتاب العظيم، كتاب الله تعالى الذي حاطوه بالعناية والرعاية، وحفُّوه بالعلم والدراية، فصلحت به حياتُهم، وفصحت به ألسنتهم، وطابت به سرائرهم، وصلحت به ظواهرهم. وكتاب الله تعالى معجز، فكل شيء منه لا نظير له؛ فهو باهر في ألفاظه وأسلوبه، في تأليفه ونظمه، في بيانه وبلاغته، في تشريعه وأحكامه، في أسراره وحِكَمه التي حيّرت الألباب، في أنبائه وأخباره، في تأريخه وحفظه. وكان من فضل الله عليّ أن زرتُ مسجدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أجلس فيه الساعات، فبدا لي أن أكتب رسالة مختصرة في مقاصد سور القرآن الكريم، وهو نوع من علومه، وفيه جانبُ التدبر الذي هو المقصود من إنزال الكتاب العزيز. ثم لما عدتُّ إلى داري زدتّ عليها، وزيَّنتها بدُرَرٍ من النقولات المفيدة الفريدة، فسميتها: «الدرر في مقاصد السور». فأسأل الله تعالى أن ينفع به عباده الصالحين، وأن يجعله ذُخراً لي يوم الدين.