سلة التسوق الخاصة بك فارغة الآن.

آراء القراء
القارئ Amira Bousdjira 
هامشٌ أوّل كبداية: هذه مراجعة طويلةٌ لكتابٍ تاريخيّ ليست على نمط المؤرّخين.. ستجد الكثير من العاطفة هُنا________« إدارة الرّجل الواحد،الإيمان بالمحافظة،الإدارة في المركزية،الإصلاحات الاجتماعية والعسكرية والاقتصادية،السياسة المالية الصارمة،إعطاء الإسلام أهمية خاصة كدين وأيديولوجية اجتماعية وسياسية،توخي الحذر والتدبير المفرط في كل مجال.» هكذا حكم وقاد سياسته السّلطان السّادس والعشرين من سلالة آل عثمان، عبد الحميد الثّاني، لمدّة تقارب الثّلاثة والثلاثين عامًا، شهد فيها صنوفا من الافتراءات ووصمًا ب هامشٌ أوّل كبداية: هذه مراجعة طويلةٌ لكتابٍ تاريخيّ ليست على نمط المؤرّخين.. ستجد الكثير من العاطفة هُنا________« إدارة الرّجل الواحد،الإيمان بالمحافظة،الإدارة في المركزية،الإصلاحات الاجتماعية والعسكرية والاقتصادية،السياسة المالية الصارمة،إعطاء الإسلام أهمية خاصة كدين وأيديولوجية اجتماعية وسياسية،توخي الحذر والتدبير المفرط في كل مجال.» هكذا حكم وقاد سياسته السّلطان السّادس والعشرين من سلالة آل عثمان، عبد الحميد الثّاني، لمدّة تقارب الثّلاثة والثلاثين عامًا، شهد فيها صنوفا من الافتراءات ووصمًا بالاستبداد، ورزح تحت لقب "السّلطان الأحمر الدّموي" الذي سيحتاج وقتًا أطول بعد لينكشف وجه الحقيقة فيه للجميع، حتّى لمن كان معارضًا له، وقد مضت سنتان بعد المئة منذ أن غادرنا إلى دار الحقّ، طيّب الله ثراه..-1- «يخرج للناس دوما في هندام متناسق نظيفٍ، (..) يدسّ ساعته في الجيب المخصص للمنديل (..) يلبس القميص الأبيض ويفضّل الأقمشة المحلّية. (...) وعنادًا منه فضّل اللون الأبيض في جميع قفازاته كما فضّل البياض في سياسته ودبلوماسيته.» لماذا رقص مع الذّئاب؟ لكي ينجو، لكي يقنعها أنّه واحدٌ منها، لكي يثبت لها بما يُعجزها أن قوّته لم تهدم بعد، وأنّ سيطرته لم تتشظّ.. وأنّ الرّجل المريض يمكن أن يستيقظ ويحاصر الذّئاب وهو في فترة نقاهته.. قضى شبابه كأمير عثمانيّ أنيق، يعمل بالتّجارة ويتدرّب على ركوب الخيل والرّمي بالسّلاح، وحين تسلّم مقاليد السّلطنة بعد عزل أخيه الأكبر مراد الخامس.. وضع نصب عينيه هدفًا واحدًا: أن ينقذ الامبراطوريّة من أعدائها. كان شغوفا بقراءة روايات شارلوك هولمز، ومذكّرات الرّحالة وأولى اهتمامًا واضحًا بالطّباعة وأعمال النّشر، يتذوّق موسيقى الشّرق والغرب.. وبين كلّ هذا، كان ينام في غرفة ذات سقفٍ منخفض وركن ظليل على سرير حديديّ متنقلّ كالذي يستعمل في المشافي كي لا ينام نومًا مريحًا .. كان خاقانًا صلب التّدين لا يبدي أي تكاسلٍ، عظيم الحبّ والغيرة على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لا يسمح بأيّ انتقاص لمقامه وخدشٍ لمكانه في قلوب المؤمنين.-2- استهلّ فترة حكمه الطّويلة بتثبيت خطوط التلغراف ومدّها إلى أن بلغت آلاف الكيلومترات طولًا عبر كلّ تراب الدّولة، وربط إسطنبول بخطّ الهاتف بعد خمس سنواتٍ من اختراعه، دون أن يدوم هذا طويلًا، وقد خامره خوفٌ أن تخرج هذه التقنية الحديثة "الأجنبيّة" عن السّيطرة وتستعمل لأغراض تجسّسية تضرّ بالدّولة قبل أن يتمكّن المهندسون العثمانيّون من توجيهها.. ثمّ بدأ بابتعاث وفود الأطبّاء إلى باريس وبرلين للعمل في معاهد باستور وكوخ، وتشجيع أبحاث الأدوية واللّقاحات.-3- « كان المقيم في يلدز في إسطنبول يترقب بفضول هذه الغواصة، ويرغب في ضمّ هذا الاختراع الحديث إلى الأسطول العثمانيّ، كان عازمًا على ذلك ..»، وكان أن جعل من أوّل غوّاصتين سمّيتا باسمه واسم والده عبد المجيد هديّة من خزينته الخاصّة إلى أسطول أمّته الذي أشاعوا عنه الصّدأ، بين عامي 1887 و1888 مستبقا بذلك معظم دول العالم.. ولأنّ الدّول التي لا تمتلك بنية تحتيّة لإنتاج السّفن لن تتمكن من إبقاء أساطيلها عامرة معتمدةً على الاستيراد وحده، فبعد أن أعطى امتياز بناء وتهيئة ميناء غلطة للفرنسيّين وتمّ افتتاحه بعد خمس سنوات من ذلك، اتّجه عمله مع بداية القرن العشرين نحو تشبيك الدّولة بالسّكك الحديديّة.. مشروعٌ ستبقى أساساته إلى عهد أتاتورك، وسيكتب عنه المؤرخون فيما بعد أنّه كان أهمّ عناصر البنية التّحتية التي صانت الدّولة من الانهيار الكامل تحت بطش الحروب، ومهّدت السّبيل لقيام اقتصاد تركيا الحديثة.-4- بدأت هذه العبارة المخيفة تتواتر بشكلٍ مريب على أوجه الصّحف والمطبوعات بدءًا من عام 1880، وبدأت الذّئاب تتشفّى وتؤكّد إشاعاتها.. "لم يكن عبثًا أن قيل أنّ عبد الحميد سلطانٌ أحمر مستبدّ، يفرض رقابته على الأنفاس"، ولكن هل كانوا سيفعلون خيرا منه؟ وقد خرجت الدولة حديثًا من حربٍ قاسية ولا تزال تعاني آثار ضغوط وخناق ينذر بانفجارٍ قريب.. وهل كان خيرًا من هذه الرّقابة "المستبدّة" حين نخلت الغثّ من الأقلام التي تختفي وراء أسماء وهويّات مستعارة، وفُتح المجال لمؤلفين حقيقييّن لديهم من الجرأة والمسؤوليّة أن يعلنوا عن أسمائهم وآرائهم المعارضة؟ ولا يمكن الحديث عن الخاقان عبد الحميد الثّاني في وسط قطيع الذّئاب، دون تذكّر الحركة الصّهيونية التي بدأت تسند أساساتها وهي تتطفّل على العالم الإسلاميّ، ودون إلقاء نظرة على مذكّرات ثيودور هرتزل وهو يصف خيبته بعد خمس محاولات للقاء السّلطان وطلب أرض فلسطين لهجرة اليهود، وهو يكتب تلك الكلمات المدوّية التي نقلها له صديقه الكونت نفلينسكي بقلبٍ حانق: لن أبيع شيئا من التّراب ولو كان شبرا (..) فليخبّئ اليهود ملايينهم، وعندما تتمزّق إمبراطوريتي فقد يحصلون على فلسطين بلا مقابل ...، وكان أن فهم الصّحفي النّمساوي أن هذا الأمر لن يتم عن طريق عبد الحميد، وأنّه لابدّ من العمل على عزله، واستبدال من يناسبهم به. ولم تلبث طويلًا أن تسارعت وتيرة الجهود والمكائد من أجل إبعاد هذه العقبة الكأداء، فبعد أربع سنواتٍ من هذه الخيبة (1905) بكت إسطنبول دمًا ورعبًا وتناثرت الأشلاء حين قرّر الإرهابيّون الأرمن الاستعانة بالاشتراكيّ إدوارد جوريس ليضعوا حدًّا لحياة السّلطان ويغتالوه وهو خارجٌ من صلاة الجمعة في إحدى أيّام يوليو الحارّة.. نجا عبد الحميد بقدرٍ وحفظٍ من الله، وتأجّج حقد الحاقدين بما أضمروه.. ثمّ انبثقت جمعيّة الاتّحاد والتّرقي بين جدران الماسونيّة أجرأ وأوقح من حاضنتها تركيا الفتاة.. لتلقي في روع الشّعب أن السّلطان خائنٌ للوطن والعهد، وأنّ استبداده بالحكم يخفي تحته مصائب ستهلك الدّولة والأمّة، وغرّروا بالشّباب العثمانيّين إلى أن رؤوا في شوارع إسطنبول وسلانيك وأدرنة وهم يطالبون بإعادة تفعيل الدّستور الذي لم يبتعد عنه السّلطان في واحدٍ من قراراته وإن كان قد عطّله من قبل حين رأى الدّيمقراطيّة التي زعموها ستزيد من مرض الدّولة وضعفها.. وهاهي الذّئاب مجدّدا، تجتمع على طاولة ريفال.. وتحلّ لنفسها تقاسم الإرث العثمانيّ حين أصبحت نهاية كلّ هذه المساعي واضحة؛ سيتحمّل الاتّحاديون وزرًا ثقيلًا وإثمًا لا يزايلهم أبدا.. وسيتجرّع محمود شوكت باشا قائد تمرّد 31 مارت ندامة العمر، حين سيلقي عن نفسه وزر القتل والنّهب ويلصقها برقبة الخاقان عبد الحميد.. «إِنَّ المسؤوليَّة الَّتي تحملتموها ثقيلةٌ جدَّاً» قالها وكان على حقٍّ، حين ارتسم على وجهه حزنٌ طويل، بطول القرون السّتة التي ساد فيها العثمانيّون، وهو يستمع لأسعد توبتاني باشا يتلو عليه فتوى عزله التي كُتبت تحت تهديد السّلاح.. تدبير الحادث؟ إحراق المصحف؟ الإسراف؟ سفك الدّم؟ لا شكّ أنّه تساءل كيف انطلت هذه التهم المدوّية على شعبه، وعلى المثّقفين من أبناء المدارس.. لاشكّ أنّه تساءل أيضًا إن كانوا سيصمدون عشر سنواتٍ أخرى من بعده، وإن كانت هذه الوقاحة موضةً جديدة بين الماسونيّين الشّباب.. «فأين أنتم من عبد الحميد، وشتان ما بينكم وبينه! وإن كنتم لا تنظرون إلى مرآتكم؛ فانظروا على الأقلّ في مرآة التّاريخ! توقّعوا، كم سيكون عدد الباكين من خلفكم وأنتم ترحلون عن هذه الحياة؟ أمّا السّلطان فقد ظهرت قيمته ..»-5- هامشٌ صغير أخير على استحياء، الكاتب متحمّسٌ جدّا للانتصار للتّاريخ الحقيقيّ، وتكذيب الافتراءات.. وواضحٌ أنّ لغته كانت عذبة ورقيقة؛ والمترجم عمل بحماسٍ كذلك، إلّا أنّ الترجمة متعبة جعلتني أتمنّى لو أحصل على النّسخة الأصليّة وتسعفني تركيّتي لقراءة 560 صفحة عن مولانا عبد الحميد الثّاني تغمّده الله بواسع رحمته..

هامشٌ أوّل كبداية: هذه مراجعة طويلةٌ لكتابٍ تاريخيّ ليست على نمط المؤرّخين.. ستجد الكثير من العاطفة هُنا________« إدارة الرّجل الواحد،الإيمان بالمحافظة،الإدارة في المركزية،الإصلاحات الاجتماعية والعسكرية والاقتصادية،السياسة المالية الصارمة،إعطاء الإسلام أهمية خاصة كدين وأيديولوجية اجتماعية وسياسية،توخي الحذر والتدبير المفرط في كل مجال.» هكذا حكم وقاد سياسته السّلطان السّادس والعشرين من سلالة آل عثمان، عبد الحميد الثّاني، لمدّة تقارب الثّلاثة والثلاثين عامًا، شهد فيها صنوفا من الافتراءات ووصمًا ب هامشٌ أوّل كبداية: هذه مراجعة طويلةٌ لكتابٍ تاريخيّ ليست على نمط المؤرّخين.. ستجد الكثير من العاطفة هُنا________« إدارة الرّجل الواحد،الإيمان بالمحافظة،الإدارة في المركزية،الإصلاحات الاجتماعية والعسكرية والاقتصادية،السياسة المالية الصارمة،إعطاء الإسلام أهمية خاصة كدين وأيديولوجية اجتماعية وسياسية،توخي الحذر والتدبير المفرط في كل مجال.» هكذا حكم وقاد سياسته السّلطان السّادس والعشرين من سلالة آل عثمان، عبد الحميد الثّاني، لمدّة تقارب الثّلاثة والثلاثين عامًا، شهد فيها صنوفا من الافتراءات ووصمًا بالاستبداد، ورزح تحت لقب "السّلطان الأحمر الدّموي" الذي سيحتاج وقتًا أطول بعد لينكشف وجه الحقيقة فيه للجميع، حتّى لمن كان معارضًا له، وقد مضت سنتان بعد المئة منذ أن غادرنا إلى دار الحقّ، طيّب الله ثراه..-1- «يخرج للناس دوما في هندام متناسق نظيفٍ، (..) يدسّ ساعته في الجيب المخصص للمنديل (..) يلبس القميص الأبيض ويفضّل الأقمشة المحلّية. (...) وعنادًا منه فضّل اللون الأبيض في جميع قفازاته كما فضّل البياض في سياسته ودبلوماسيته.» لماذا رقص مع الذّئاب؟ لكي ينجو، لكي يقنعها أنّه واحدٌ منها، لكي يثبت لها بما يُعجزها أن قوّته لم تهدم بعد، وأنّ سيطرته لم تتشظّ.. وأنّ الرّجل المريض يمكن أن يستيقظ ويحاصر الذّئاب وهو في فترة نقاهته.. قضى شبابه كأمير عثمانيّ أنيق، يعمل بالتّجارة ويتدرّب على ركوب الخيل والرّمي بالسّلاح، وحين تسلّم مقاليد السّلطنة بعد عزل أخيه الأكبر مراد الخامس.. وضع نصب عينيه هدفًا واحدًا: أن ينقذ الامبراطوريّة من أعدائها. كان شغوفا بقراءة روايات شارلوك هولمز، ومذكّرات الرّحالة وأولى اهتمامًا واضحًا بالطّباعة وأعمال النّشر، يتذوّق موسيقى الشّرق والغرب.. وبين كلّ هذا، كان ينام في غرفة ذات سقفٍ منخفض وركن ظليل على سرير حديديّ متنقلّ كالذي يستعمل في المشافي كي لا ينام نومًا مريحًا .. كان خاقانًا صلب التّدين لا يبدي أي تكاسلٍ، عظيم الحبّ والغيرة على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لا يسمح بأيّ انتقاص لمقامه وخدشٍ لمكانه في قلوب المؤمنين.-2- استهلّ فترة حكمه الطّويلة بتثبيت خطوط التلغراف ومدّها إلى أن بلغت آلاف الكيلومترات طولًا عبر كلّ تراب الدّولة، وربط إسطنبول بخطّ الهاتف بعد خمس سنواتٍ من اختراعه، دون أن يدوم هذا طويلًا، وقد خامره خوفٌ أن تخرج هذه التقنية الحديثة "الأجنبيّة" عن السّيطرة وتستعمل لأغراض تجسّسية تضرّ بالدّولة قبل أن يتمكّن المهندسون العثمانيّون من توجيهها.. ثمّ بدأ بابتعاث وفود الأطبّاء إلى باريس وبرلين للعمل في معاهد باستور وكوخ، وتشجيع أبحاث الأدوية واللّقاحات.-3- « كان المقيم في يلدز في إسطنبول يترقب بفضول هذه الغواصة، ويرغب في ضمّ هذا الاختراع الحديث إلى الأسطول العثمانيّ، كان عازمًا على ذلك ..»، وكان أن جعل من أوّل غوّاصتين سمّيتا باسمه واسم والده عبد المجيد هديّة من خزينته الخاصّة إلى أسطول أمّته الذي أشاعوا عنه الصّدأ، بين عامي 1887 و1888 مستبقا بذلك معظم دول العالم.. ولأنّ الدّول التي لا تمتلك بنية تحتيّة لإنتاج السّفن لن تتمكن من إبقاء أساطيلها عامرة معتمدةً على الاستيراد وحده، فبعد أن أعطى امتياز بناء وتهيئة ميناء غلطة للفرنسيّين وتمّ افتتاحه بعد خمس سنوات من ذلك، اتّجه عمله مع بداية القرن العشرين نحو تشبيك الدّولة بالسّكك الحديديّة.. مشروعٌ ستبقى أساساته إلى عهد أتاتورك، وسيكتب عنه المؤرخون فيما بعد أنّه كان أهمّ عناصر البنية التّحتية التي صانت الدّولة من الانهيار الكامل تحت بطش الحروب، ومهّدت السّبيل لقيام اقتصاد تركيا الحديثة.-4- بدأت هذه العبارة المخيفة تتواتر بشكلٍ مريب على أوجه الصّحف والمطبوعات بدءًا من عام 1880، وبدأت الذّئاب تتشفّى وتؤكّد إشاعاتها.. "لم يكن عبثًا أن قيل أنّ عبد الحميد سلطانٌ أحمر مستبدّ، يفرض رقابته على الأنفاس"، ولكن هل كانوا سيفعلون خيرا منه؟ وقد خرجت الدولة حديثًا من حربٍ قاسية ولا تزال تعاني آثار ضغوط وخناق ينذر بانفجارٍ قريب.. وهل كان خيرًا من هذه الرّقابة "المستبدّة" حين نخلت الغثّ من الأقلام التي تختفي وراء أسماء وهويّات مستعارة، وفُتح المجال لمؤلفين حقيقييّن لديهم من الجرأة والمسؤوليّة أن يعلنوا عن أسمائهم وآرائهم المعارضة؟ ولا يمكن الحديث عن الخاقان عبد الحميد الثّاني في وسط قطيع الذّئاب، دون تذكّر الحركة الصّهيونية التي بدأت تسند أساساتها وهي تتطفّل على العالم الإسلاميّ، ودون إلقاء نظرة على مذكّرات ثيودور هرتزل وهو يصف خيبته بعد خمس محاولات للقاء السّلطان وطلب أرض فلسطين لهجرة اليهود، وهو يكتب تلك الكلمات المدوّية التي نقلها له صديقه الكونت نفلينسكي بقلبٍ حانق: لن أبيع شيئا من التّراب ولو كان شبرا (..) فليخبّئ اليهود ملايينهم، وعندما تتمزّق إمبراطوريتي فقد يحصلون على فلسطين بلا مقابل ...، وكان أن فهم الصّحفي النّمساوي أن هذا الأمر لن يتم عن طريق عبد الحميد، وأنّه لابدّ من العمل على عزله، واستبدال من يناسبهم به. ولم تلبث طويلًا أن تسارعت وتيرة الجهود والمكائد من أجل إبعاد هذه العقبة الكأداء، فبعد أربع سنواتٍ من هذه الخيبة (1905) بكت إسطنبول دمًا ورعبًا وتناثرت الأشلاء حين قرّر الإرهابيّون الأرمن الاستعانة بالاشتراكيّ إدوارد جوريس ليضعوا حدًّا لحياة السّلطان ويغتالوه وهو خارجٌ من صلاة الجمعة في إحدى أيّام يوليو الحارّة.. نجا عبد الحميد بقدرٍ وحفظٍ من الله، وتأجّج حقد الحاقدين بما أضمروه.. ثمّ انبثقت جمعيّة الاتّحاد والتّرقي بين جدران الماسونيّة أجرأ وأوقح من حاضنتها تركيا الفتاة.. لتلقي في روع الشّعب أن السّلطان خائنٌ للوطن والعهد، وأنّ استبداده بالحكم يخفي تحته مصائب ستهلك الدّولة والأمّة، وغرّروا بالشّباب العثمانيّين إلى أن رؤوا في شوارع إسطنبول وسلانيك وأدرنة وهم يطالبون بإعادة تفعيل الدّستور الذي لم يبتعد عنه السّلطان في واحدٍ من قراراته وإن كان قد عطّله من قبل حين رأى الدّيمقراطيّة التي زعموها ستزيد من مرض الدّولة وضعفها.. وهاهي الذّئاب مجدّدا، تجتمع على طاولة ريفال.. وتحلّ لنفسها تقاسم الإرث العثمانيّ حين أصبحت نهاية كلّ هذه المساعي واضحة؛ سيتحمّل الاتّحاديون وزرًا ثقيلًا وإثمًا لا يزايلهم أبدا.. وسيتجرّع محمود شوكت باشا قائد تمرّد 31 مارت ندامة العمر، حين سيلقي عن نفسه وزر القتل والنّهب ويلصقها برقبة الخاقان عبد الحميد.. «إِنَّ المسؤوليَّة الَّتي تحملتموها ثقيلةٌ جدَّاً» قالها وكان على حقٍّ، حين ارتسم على وجهه حزنٌ طويل، بطول القرون السّتة التي ساد فيها العثمانيّون، وهو يستمع لأسعد توبتاني باشا يتلو عليه فتوى عزله التي كُتبت تحت تهديد السّلاح.. تدبير الحادث؟ إحراق المصحف؟ الإسراف؟ سفك الدّم؟ لا شكّ أنّه تساءل كيف انطلت هذه التهم المدوّية على شعبه، وعلى المثّقفين من أبناء المدارس.. لاشكّ أنّه تساءل أيضًا إن كانوا سيصمدون عشر سنواتٍ أخرى من بعده، وإن كانت هذه الوقاحة موضةً جديدة بين الماسونيّين الشّباب.. «فأين أنتم من عبد الحميد، وشتان ما بينكم وبينه! وإن كنتم لا تنظرون إلى مرآتكم؛ فانظروا على الأقلّ في مرآة التّاريخ! توقّعوا، كم سيكون عدد الباكين من خلفكم وأنتم ترحلون عن هذه الحياة؟ أمّا السّلطان فقد ظهرت قيمته ..»-5- هامشٌ صغير أخير على استحياء، الكاتب متحمّسٌ جدّا للانتصار للتّاريخ الحقيقيّ، وتكذيب الافتراءات.. وواضحٌ أنّ لغته كانت عذبة ورقيقة؛ والمترجم عمل بحماسٍ كذلك، إلّا أنّ الترجمة متعبة جعلتني أتمنّى لو أحصل على النّسخة الأصليّة وتسعفني تركيّتي لقراءة 560 صفحة عن مولانا عبد الحميد الثّاني تغمّده الله بواسع رحمته..
Translation missing: ar.general.search.loading