لقد طلب مني صديقي الأستاذ محمد أحمد الجابري تقديم رسالته في شأن الله أو تاريخ السودان كما يرويه أهله، إلى أبناء الوادي الأفاضل الذين يهمهم الوقوف على كل ما يكتب، أو يقال عن السودان وعن أهله بحثاً وراء الحقيقة وإرواء لظمأ حب الاستطلاع والمعرفة.
            والأستاذ محمد أحمد الجابري من الرجال المصريين القلائل الذين قضوا في خدمة حكومة السودان سنوات عدة، واختلطوا بالسودانيين قبائلهم وعشائرهم، فعرف عاداتهم وأخلاقهم، وأدرك كثيرين ممن حضروا الوقائع التي دون أخبارها في رسالته، وكان لروابط النسب والمصاهرة التي ربطت بينه وبين الأسر الكريمة في القطر الشقيق أعظم الأثر في أن يركن إليه السودانيون ينقلون إليه أخبارهم على حقيقتها، ويكشفون له عن خفايا نفوسهم، ويطلعونه على هواجسهم ويبسطون له أمانيهم.
            واندمج الأستاذ محمد أحمد الجابري في أوساط السودانيين اندماجاً تاماً، فتذوق آدابهم، وحفظ أشعارهم و(أزجالهم)، وعرف ما تنطوي عليه أمثالهم وأقوالهم من معان لا يدركها سوى السودانيين أنفسهم، بل انتهى به الأمر إلى إتقان لهجات ولغات العشائر والقبائل السودانية العربية والزنجية على السواء.
            حتى أصبح الأستاذ بحق بمثابة موسوعة من الموسوعات التي لا غنى لكل باحث في شؤون السودان وتاريخه عن الرجوع إليها.