بعثني إلى إخراج هذا الكتاب ما رأيته من ابتئاس الطلاب بمادة الصرف، واستعانتهم على جواز الامتحانات فيها بالاستظهار الذي يقتل الملكة ويجمّد القريحة، ومبعث هذا الابتئاس في ظني هو الطريق الذي سلكه المؤلفون واعتادوه، من سرد القواعد محررة وليس وراءها تدريب يثبتها، أو إجالة للفكر فيها ترسخها، وتخرجها من دائرة التذكر إلى دائرة الوعي، ثم إلى دائرة الانطباع والرسوخ. ولقد نجح الأسلاف كل النجاح في ضبط القواعد وتحريرها، وكان هينا عليهم وهم القادة القارحون والفَهَمَة المجربون أن يبسطوا التدريبات منوعة مختلفة الشعاب، ولكنهم -رحمهم الله- لم ينهجوا هذا النهج، ولو أنهم فعلوا لما تركوا وراءهم نظرا لناظر أو دَرَكا لمستدرك، فكان اكتفاؤهم بتحرير القواعد باعثا لمثلي أن يجيل النظر ويدير الفكرة، كي يثبّت هذه القواعد بالتطبيقات التي لا تكتفي بالنظرة العابرة واللمح الخاطف، بل تحتاج إلى كد وتمام إدراك وحسن بصر. ولست الأول في هذا المسلك، فقد سلكه قبلُ صاحبا «النحو الواضح» ولكنهما -رحمة الله عليهما- لم يطرقا إلا قليلا من الأبواب التي طرقها كتابي هذا، وعلى نحو من الوجازة يتفق وطاقة التلميذ في المدارس الثانوية، على أني لم أستعن بكتابهما في شيء أصلا، وإن كان الفضل راجعا إليهما في السبق والتوجيه. أما كتاب «تهذيب التوضيح» فهو كتاب جدير بالتقدير، غير أن اتجاه المؤلفين المرحومين إلى ضغط القواعد يوحي للطلاب بالاستظهار، ويُعنِّي المدرس عناء لا داعي له، فضلا عن قلة التدريبات وعدم استيعابها. و«كتاب شذا العرف» كتاب جامع، ولكن فقد التمرينات، وتشويش القواعد، وتشتيتها في بعض الأبواب، وإدماجها في بعض آخر، يقلل من قيمته بعض الشيء. وقد درجت على أن أثبت الأمثلة طوائف، ثم أعقب عليها بالإرشاد والبحث، وأتبع ذلك القواعد مجملة، وآتي بكثير من التطبيقات، لتكون نبراسا للمدرس، وتهديا للممتحن، وتعويدا للطالب على البحث والفهم، وصرفا له عن الحفظ، وتهيئة لبروز الملكة المستورة.