وصفُ رحلة الحج، وما مر به الحاج من أحداث، وما خبر من مشاعر؛ أمرٌ شائع، فإن كان الحاج قد تحول من دين آخر إلى الإسلام؛ فإن رحلته تُروى من منظور جديد مختلف، ولقد تعددت الكتب التي تقدم هذه النظرة، ويضم كتابنا هذا كثيرًا من ميزات ما سبقه من كتب أو لحقه، ولكنه يتميز بشيء نادر وهو منظور المرأة الأجنبية. تقدم زينب الإنجليزية رؤية المرأة الأوروبية، لا في مناسك الحج أو أركان الإسلام وشعائره فحسب؛ بل في أمور يستعصي على غيرها أن تقدم فيها كلامًا، فتدخل بيوت المسلمين وتتعامل مع النساء، وتصف المسلمات وصفًا يعصف بمفاهيم المستشرقين وأكاذيبهم عن عالم الحريم الشرقي، تقترب زينب من العلاقات الإنسانية التي تنشأ في رحلة الحج فترى أمورًا لا يراها من لا يتمتع برؤيتها ونفاذ بصيرتها، فتعرض الشخصيات التي تعاملت معها كأننا في إحدى روايات تشارلز ديكنز، وتصف الأماكن بأحسن وأدق ما يُمكن لواصف. إن قراءة هذا الكتاب لتجربة فريدة تدعو إلى معاودة القراءة والاستزادة من رؤية المألوف لنا بعين جديدة، فتجعل الأوروبي يرى شيئًا مختلفًا يصوب فكرته التي تراكمت عبر سنين من التلفيق والافتراء الاستشراقي. ولدت زينب كوبلد عام 1867، وقامت بهذه الرحلة عام 1934، أي في عامها السابع والستين.