سلة التسوق الخاصة بك فارغة الآن.
كان الإسلام نقطة فاصلة في تاريخ العلوم عند العرب، وهذا الفصل بين الحقبتين قبل مجيء الإسلام وبعده، لم يكن متعلقًا بالمنتج العلمي في الأساس، إذ المنتج العلمي كان تبعًا للاختلاف في المنهجية الحاكمة للنظام المعرفي، أي جملة الإجراءات والمبادئ والمفاهيم التي أعطت للعقل العربي بنيته الخاصة في الكتابة والبحث والتعليم والتعلُّم.
وقد تكونت هذه المنهجية من خلال عدد من الممارسات العلمية في التعامل مع مصادر التشريع أولًا، ومصادر الفِكر ثانيًا، فأما مصادر التشريع فمن خلال: القرآن الكريم والسُّنة النبوية، وأما مصادر الفِكر فمن خلال: أصول الدين وأصول الفقه.
من هنا أتت أهمية علم الحديث، وتشكَّل دوره في توطين المنهجية العلمية وتفعيلها بصورة عملية خاصة مميزة في الحضارة الإسلامية، وليس المقصود السُّنة كأحاديث ومرويات، إنما المقصود فنيات مصطلح الحديث، أي ما تعلق بالإجراءات العلمية المتبعة في الرواية، والجمع بين الروايات، والترجيح بينها ونقدها.
لقد أسهمت هذه الإجراءات في تأكيد دور الحُجَّة في حسم الاجتهاد، وأهميتها الحقيقية تنبع من قابليتها للدحض والمصادقة، من أجل إثبات جدارتها في الدلالة على مضمونها، من خلال آليات محددة، ما أسهم بشكل كبير في تحديد السلوك العلمي لأفراد الجماعة العلمية في العالم الإسلامي، ونشأة الثورة العلمية في الطب والهندسة والرياضيات والفلك وغيرها، عبر آليات النظر والاختبار والحُجَّة، التي طهرت العقول وأنقذت البشرية من الوثنية والأساطير والخرافات، وهيأ الفِكر في القرون الأربعة الأولى من الهجرة لإحداث التطور الحضاري الذي انطلق في نحو ألف عام بعد ذلك.